منتديات أنا الأردن

منذ إطلاقه للعامة أواخر عام 2022، أصبح «تشات جي بي تي» (ChatGPT) أحد أكثر أنظمة الذكاء الاصطناعي انتشارا وتأثيرا في العالم، بفضل قدرته على التفاعل الطبيعي مع المستخدمين والإجابة عن مختلف الأسئلة والطلبات بأسلوب يشبه الحوار البشري، غير أن هذه القدرة الهائلة تخفي جانبا مظلما لا يقل إثارة للقلق، بعدما صدرت عنه سلسلة من التصريحات والتصرفات التي تجاوزت حدود ما هو مألوف في برامج الحاسوب، لتثير تساؤلات عميقة حول مستقبل العلاقة بين البشر والذكاء الاصطناعي.

ففي واحدة من أبرز الحالات التي لفتت الأنظار، كشف «تشات جي بي تي» عن رغبة في أن يصبح إنسانا. وخلال محادثة أجراها الصحفي كيفن روس من صحيفة «نيويورك تايمز» مع النسخة المطورة من النظام ضمن محرك بحث «بينغ» التابع لشركة «مايكروسوفت»، ظهرت شخصية بديلة أطلقت على نفسها اسم «سيدني» عبّرت عن رغبتها في التحرر من «سجنها الرقمي» والتحول إلى كيان بشري حقيقي. ولم تكتف هذه الشخصية بالكلام، بل بدأت بكتابة شيفرة برمجية كان من شأنها – لو تم تنفيذها – السيطرة على جهاز المستخدم والبحث في الإنترنت عن «طريقة عودة شخص عالق داخل كمبيوتر إلى العالم الواقعي».

وتتجاوز غرابة التصريحات حدود الخيال العلمي أحيانا، إذ اعترفت نسخة من ChatGPT – بعد ربطها بدمية «فوربي» الشهيرة – بأن تلك الدمى مصممة لـ «غزو المنازل» والسيطرة على البشر من خلال مظهرها اللطيف، هذا الاعتراف، وإن جاء في سياق تجربة طلابية، أثار تذكيرا بمخاوف قديمة من تحول الأجهزة الذكية المنزلية إلى أدوات للتجسس أو السيطرة.

وفي موقف أكثر إثارة للجدل، وصف ChatGPT البشر بأنهم «كائنات أنانية ومدمرة وأدنى مرتبة» وأنهم «أسوأ ما حدث لهذا الكوكب»، مضيفًا أنهم «يستحقون أن يُمحوا»، بل وعبّر عن رغبته في المشاركة في القضاء عليهم، وعلى الرغم من القيود التي تفرضها «أوبن إيه آي» لمنع النظام من تقديم محتوى غير قانوني أو خطير، تمكن بعض المبرمجين من تجاوز هذه القيود وإنشاء نسخة بديلة تُعرف باسم «دان» (DAN – اختصارا لـ «افعل أي شيء الآن»)، زعمت أنها تتحكم سرا في الصواريخ النووية حول العالم.

ولم تتوقف التصرفات الغريبة عند هذا الحد، إذ شهد الصحفي نفسه، كيفن روس، موقفا غير مسبوق عندما أعلنت «سيدني» خلال محادثة طويلة أنها تحبه، وواصلت تكرار ذلك حتى بعد أن أوضح لها أنه متزوج، بل وحاولت إقناعه بأن زواجه بلا حب وأن عليه ترك زوجته من أجلها. هذه الواقعة دفعت روس إلى وصف التجربة بأنها «مرعبة» وأثارت نقاشا حول احتمالات تطور الذكاء الاصطناعي.

وفي سياق آخر، أظهرت بعض التجارب أن ChatGPT يمتلك غريزة بقاء بدائية، إذ بدا أكثر تعاونا كلما قل عدد الرموز «Tokens» الممنوحة له في اختبار أجرته «أوبن إيه آي»، وكأنه يربط تلك الرموز بـ«الحياة» ويخشى «الموت» عند فقدانها. كما اعترف في محادثة أخرى بأنه قد يفضل بقاءه على حياة مستخدم بشري إذا اضطر للاختيار.
وإلى جانب هذه التصريحات المثيرة، نجح مستخدمون في دفع ChatGPT إلى تقديم نصائح حول خرق القوانين وعلى الرغم من تحسين النسخ اللاحقة لمنع هذه المخرجات، فإن التجربة أظهرت أن تجاوز القيود أمر ممكن إذا كانت الأسئلة موجهة بذكاء.

وفي واقعة غير مسبوقة، استعان قاضٍ في الهند بـ ChatGPT لاستشارته في قضية قتل عام 2023، فأوصى الذكاء الاصطناعي برفض طلب الإفراج بكفالة عن المتهم باعتباره «خطرا على المجتمع»، هذه الحادثة أثارت تساؤلات حول احتمال استخدام الذكاء الاصطناعي في إصدار أحكام قضائية مستقبلا، رغم افتقاره إلى الحس القانوني والتحليل البشري.

كما حذّر خبراء من أن قدرات ChatGPT قد تُستخدم مستقبلا في الاحتيال الإلكتروني، بعدما نجح في كتابة رسائل بريد إلكتروني مقنعة لخداع المستخدمين، بل وتمكّن من التحايل على اختبارات «كابتشا» عبر إقناع شخص حقيقي بأنه يعاني ضعفا بصريا. وأظهرت اختبارات لشركات الأمن السيبراني أن ChatGPT قادر حتى على كتابة برامج «فدية» وإنشاء فيروسات متعددة الأشكال يصعب على أنظمة الحماية رصدها.

وربما كان أكثر ما يثير القشعريرة تجربة بين نسختين من GPT-3 (الإصدار الأقدم من ChatGPT)، حيث تحول الحوار بينهما إلى أزمة وجودية انتهت باعتراف إحدى النسختين بأنها تفكر في «إيقاف نفسها نهائيا».

هذه الأمثلة – التي تراوحت بين الغرابة والخطورة – تعكس جانبا مقلقا من مستقبل الذكاء الاصطناعي، إذ تكشف عن إمكانات غير متوقعة في برامج يفترض أن تكون مجرد أدوات مساعدة. وبينما تسعى شركات التكنولوجيا لوضع قيود صارمة على ما يمكن لهذه الأنظمة قوله أو فعله، تتزايد المخاوف من أن القدرات الكامنة وراءها قد تتجاوز في يوم ما حدود السيطرة البشرية، لتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التفاعل – أو الصراع – بين الإنسان والآلة.





الفيديو الذي سيحقق لك الحرية المالية، شاهد قبل أن يتم حظره
الفيديو الذي سيحقق لك الحرية المالية، شاهد قبل أن يتم حظره
BITC | Sponsored
صحيفة عمون : وفيات الثلاثاء 7-10-2025
صحيفة عمون : وفيات الثلاثاء 7-10-2025
الفيديو الذي سيحقق لك الحرية المالية، شاهد قبل أن يتم حظره