علاقة الدولة بالدين في البانيا
المشرف: manoosh
علاقة الدولة بالدين في البانيا
في تراث حاضر العالم الإسلامي تجارب كثيرة حول العلاقة بين الدين والدولة، ولكن هناك واحدة لم تحظ بالاهتمام على رغم أهميتها الكبيرة, ألا وهي حالة ألبانيا. فألبانيا كانت بعد إعلان استقلالها عن الدولة العثمانية في 1912 أول دولة أوروبية بغالبية مسلمة (حوالى 70 في المئة من المسلمين و20 في المئة من الأرثوذكس و10 في المئة من الكاثوليك)، وهي لا تزال حتى الآن الدولة الأوروبية الوحيدة بغالبية مسلمة أو شبه مسلمة، لأن ما تعرضت له وتتعرض له ألبانيا يجعل من الصعب أن نتخيل ماذا سيحل بها بعد عشر سنوات حين يفترض أن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا السياق يمكن القول إنه خلال مئة عام تقريباً جرت تطورات كثيرة فصلت ألبانيا عن العالم الإسلامي وعن “الشرق الأدنى” الذي كانت تعتبر جزءاً منه حتى 1920 على الأقل حين قبلت كدولة مستقلة في عصبة الأمم.
فنظراً لأن مصير استقلال ألبانيا بقي معلقاً حتى صيف 1913، حين وافقت عليه القوى الأوروبية الكبرى ووضعت ألبانيا تحت وصايتها، فقد بادرت “لجنة المراقبة الدولية” إلى وضع القانون الأساسي للدولة الألبانية التي فصلت بموجبه الدين عن الدولة، وبهذا أصبحت ألبانيا (وليس تركيا الكمالية) أول دولة في العالم الإسلامي تنتهج العلمانية أو الفصل بين الدين والدولة.
وقد تعرض المسلمون في ألبانيا إلى تجربة صعبة في نهاية 1944، حين وصل الحزب الشيوعي الألباني إلى السلطة على أثر الحرب الأهلية التي دارت في البلاد. فمع أن المسلمين في الاتحاد السوفياتي سبقوا إخوانهم في ألبانيا إلى تجربة العيش تحت حكم الحزب الشيوعي، إلا أن التجربة الألبانية فاقت كل التجارب الأخرى (في مرارتها) بما في ذلك الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية. فقد كانت قيادة ألبانيا تنتهج تجربة الاتحاد السوفياتي (بما في ذلك ما يتعلق بالدين) إلى 1960 حين انفجر النزاع الأيديولوجي بين الاتحاد السوفياتي وألبانيا التي انحازت آنذاك إلى الصين الشعبية. ومع هذا الانحياز أخذت ألبانيا بالتجربة الصينية (الثورة الثقافية) في التعامل مع الدين الذي تضمن مزيداً من التضييق على الحريات الدينية خلال 1966 - 1967. ولكن قيادة ألبانيا تجاوزت الصين ذاتها في صيف 1967 حين أصدرت ما عرف بمرسوم “منع الدين” الذي حظر أي نشاط ديني (فردي أو جماعي) وأغلق كل الجوامع والكنائس في ألبانيا، حيث هدم بعضها وتحول بعضها الآخر إلى منشآت تستخدم لأغراض مختلفة (مخازن، نوادٍ الخ).
ونظراً لأن هذا كان يتعارض من حيث الشكل مع الدستور الموجود, الذى كان يقر بحرية الدين وممارسة الشعائر, فقد أقر في 1976 الدستور الجديد الذي نص على ان “الدولة لا تعترف بأية ديانة”, وحظرت المادة (55) “تكوين أي نوع من المنظمات الفاشية والدينية”، كما حظرت “الدعاية الفاشية والمعادية للديموقراطية والدينية”.
وبالاستناد الى ذلك، فقد جاء القانون الجنائي الجديد في 1977 ليشمل “الأنشطة الدينية” ضمن الجنايات التي يعاقب عليها القانون بالإعدام, مما أوجد حالة لا مثيل لها في أوروبا الشرقية.
ولكن مع سقوط جدار برلين وانهيار الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية لم يعد النظام الشيوعي في ألبانيا قادراً على منع انبعاث الدين، حيث برزت على السطح مبادرات جديدة للمسلمين والأرثوذكس والكاثوليك تمثلت في فتح بعض الجوامع والكنائس وإعادة الحياة الدينية من خلال تنظيم المؤسسات والهيئات الدينية التي أصبحت تمثل المؤمنين أمام الدولة.
ومع انهيار النظام الشيوعي في 1992 وتفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي في ألبانيا نتيجة الانتقال الفوري من النظام المركزي إلى نظام السوق، تحولت ألبانيا إلى ساحة مغرية للمنظمات والتيارات التبشيرية من أرجاء العالم كافة حتى تجاوز عددها الـ 120 منظمة وجماعة دينية حملت إلى ألبانيا عقائد لم يكن يسمع بها الألبان من قبل (البهائية، شهود يهوه.. الخ).
وفي هذا السياق جاءت ألبانيا منظمات خيرية إسلامية كثيرة ومتنوعة سعت إلى تقديم مساعدات إغاثة للمحتاجين وإلى “إنقاذ” المسلمين في ألبانيا سواء من التبشير أو من “البدع” التي كانت متوارثة هناك. ولكن هذه المنظمات تنافست في ما بينها، ونقلت خلافاتها المعروفة في العالم الإسلامي إلى الألبان الذين كانوا ابتعدوا كثيراً عن الإسلام خلال 1967-1990، مما ساهم في استقطاب بعض الجماعات الدينية غير المسلمة لأعداد متزايدة من المسلمين.
وفي غضون ذلك كان البرلمان الألباني، بعد وصول الحزب الاشتراكي (الشيوعي السابق) إلى الحكم في 1997، أقر في 1998 الدستور الجديد الذي أرسى العلاقة بين الدين والدولة على أسس تأخذ في الاعتبار ما تغير في ألبانيا خلال 1990-1998. وهكذا فقد أكد الدستور في البند (10) عدم وجود “دين رسمي” لألبانيا و”حياد الدولة” تجاه الأديان و”المساواة بين الجماعات الدينية”، بينما نص البند (24) على حق كل فرد باختيار الدين وتغييره، وعلى عدم حق أي شخص بمنع أي شخص آخر من اختيار أية جماعة دينية يرغب في الانضمام إليها.
ومع هذا التطور الدستوري أصبحت العلاقة بين الدين والدولة تتم بواسطة “لجنة الدولة للعبادات”, بعدما كانت خلال 1990- 1998 تسمى “لجنة الدولة لشؤون الأديان” التي ربطت أولاً بوزارة الثقافة ثم برئيس الحكومة مباشرة.
ومع هذا الدستور الجديد انطلقت في ألبانيا أنشطة الجماعات الدينية الجديدة القادمة والممولة من الخارج التي كانت تسعى الى نشر عقائدها بين الألبان مع ربط ذلك بتقديم خدمات اجتماعية وثقافية كما هو الأمر مع البهائية وشهود يهوه وغيرها.
ولكن قيام فتاتين في الحادية عشرة من عمرهما بالانتحار في منتصف شباط 2005 (فبراير) أثار الرأي العام الألباني بعدما تبين أنهما تنتميان إلى جماعة “شهود يهوه”. وقد أدى ضغط الرأي العام إلى فتح ملف بعض الجماعات الدينية وحتى إلى فتح مجمل ملف العلاقة بين الدولة والدين.
ويبدو الآن، بالاستناد إلى تصريحات رئيس “لجنة الدولة للعبادات” ايلير كولا, وجود مشروع قانون جديد حول العلاقة بين الدين والدولة على طاولة رئيس الحكومة. ومن أهم البنود فيه, التي قد تثير اعتراضات قوية، عدم السماح للجماعات الدينية باستقطاب من هم دون الـ14 سنة. وهكذا مع هذا التوجه لا يحق للجماعة الإسلامية، التي تمثل المسلمين وترعى شؤونهم الدينية والثقافية, أن تقبل أو تضم في أي من نشاطاتها الدينية أو التعليمية من هم دون الـ14 سنة, حيث يترك لهؤلاء بعد هذه السنة اختيار الدين الذي يرغبون فيه.
وهكذا يبدو أن المسلمين في ألبانيا على أبواب تجربة جديدة بعد تجربة العلمانية المفروضة من فوق خلال 1913-1944 وتجربة الفصل القسري بين الدين والدولة ثم منع الدين خلال 1945-1990.
________________________________________
الموجودون الآن
المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 10 زوار