بين "الجزيرة" و"العربية": مشاهد ملتبسة بقلم جورج حواتمة

آراء ومقالات لكتّاب أردنيين

المشرف: Princess

قوانين المنتدى
• يمنع وضع اي مواد محمية بحقوق نشر دون موافقه مسبقه من صاحبها
قوانين المنتديات العامة
أضف رد جديد
صورة العضو الشخصية
مدير المنتدى
مدير المنتدى
مشاركات: 3924
اشترك في: الخميس مايو 22, 2008 1:35
مكان: عمان, الأردن
اتصال:

بين "الجزيرة" و"العربية": مشاهد ملتبسة بقلم جورج حواتمة

مشاركة بواسطة مدير المنتدى » الأحد يونيو 08, 2008 8:32

تلقيت دعوة لزيارة دبي للمشاركة في الاحتفال بالعيد الخامس لقناة "العربية" الاخبارية, وقمت بتلبيتها الاسبوع الماضي بصحبة مجموعة كبيرة من الزملاء الإعلاميين العرب والشخصيات العربية المهتمة بالشأن الاعلامي (ومنهم نجوم سينما) والتي عادة ما تستضيفها القناة في نشرات اخبارها وبرامجها الاخرى.

سُعدت بالمشاركة لأنها كانت مناسبة لرؤية اصدقاء وزملاء قدامى من اصحاب المهنة وللتعرف على آخرين انضموا الى قائمة القيادات الاعلامية العربية التي غالباً ما تكون نفسها التي تلتقي في المؤتمرات وتحضر الفعاليات قومية الطابع وبالتحديد في دبي التي غدت عاصمة للاعلام العربي بنظر الكثيرين.

الضيافة كانت لائقة, بل كريمة, وان لم تخل من بعض النواقص في الترتيبات واخرى فنية, مع غياب شروحات ومناقشات مؤطرة... وبالذات فيما يتعلق بعمل "العربية" في اطار الجهد الاعلامي العربي العام, والحديث المؤسسي عن الموضوع والاطار في مناسبة كهذه.

لا اعلم كم انفقت "العربية" على الاحتفال, الذي تتطلب نقل عدة مئات من المدعوين اغلبهم من دول عربية مشرقية وخليجية بالطائرات وبالدرجة الاولى ودرجة رجال الاعمال وإنزالهم في فنادق فخمة مع تغطية شبه كاملة للنفقات.

الكلفة لربما وصلت الى عدة ملايين من الدولارات, وهو مبلغ قد يكون كافياً لإنشاء فضائية صغيرة او شبه فضائية, لكنها في كل الاحوال كانت فرصة مؤاتية للتفكير والتذكير بالتطورات الاعلامية التي شهدناها في السنوات الاخيرة وللحديث مع الاصدقاء والزملاء حول ما آلت اليه احوالنا في نطاق ما اتُّفق على تسميته بـ"الإعلام العربي".

دعونا نحاول حصر هذه التطورات هنا في مجال التلفزيون, وباختصار أيضاً, لدواعي احتواء هذا المقال في اقل عدد ممكن من الكلمات, ودعونا نأخذ عمر "العربية", وهو خمس سنوات, كإطار زمني لحديثنا.

نبدأ بالقناة ذاتها.. فماذا فعلت في بدايات عمرها او في سنوات الطفولة, كما يقال؟!

في افتتاح الاحتفال يوم 3/3 قال الشيخ وليد بن ابراهيم آل ابراهيم رئيس مجلس ادارة مجموعة الـMBC التي تمتلك "العربية" ان اول خمس سنوات من عمر "العربية" كانت "كفيلة بجعلها مصدراً اخبارياً ومعلوماتياً موثوقاً للسياسة والاقتصاد والاعمال والاخبار العاجلة, فنقلت الخبر, قبل وجهة النظر, بصدق وأمانة وتوازن ومصداقية, بعيداً عن التضخم والمبالغة واستثارة العواطف والمشاعر, ساعية في الوقت نفسه لمد جسور التواصل والحوار بين الحضارات, مع احتفاظها بهويتها المستقلة من النواحي التشغيلية والتحريرية والمالية. فاكتسبت بذلك ولاء المشاهدين, وثقة المعلنين, واحترام الشركاء الرئيسيين من قادة الاعمال, وصانعي القرار, والرواد في القطاعات الحيوية المختلفة".

من جانبه, قال مدير عام قناة "العربية" عبدالرحمن الراشد "لا احتاج الى ان أسوّق لكم "العربية" فهي في بيوتكم وتسكن مع اهلكم, ولا اقولها مجازاً او احتفالاً, ولكن لنتخيل العالم العربي بلا "العربية" خلال السنوات الماضية. لكان العنف انفرد بإعلامنا, ولكانت السنوات بفريق واحد, ولون واحد, ونوافذ متعددة لكن بمشهد واحد ولغة واحدة. لم يكن الثمن رخيصاً ابداً, فقد دفعت العربية الثمن دماً, من اجل اصلاح وتطوير الاعلام العربي الذي هو اصلاح للعالم العربي. وبالفعل, فقد تغيرت اللغة والمنهج والمواقف والاماكن".

ما قاله الشيخ آل ابراهيم والاستاذ الراشد كلام يستحق الوقوف عنده وتحليله، لأن الاستنتاج الذي يتبع يتعلق بأبعاد تشمل بالضرورة احداثيات المشهد الفضائي التلفزيوني العربي.. ماذا كان وأين هو الآن.. وكلفة المشروع الذي جسدته "العربية" من حيث تحقيق الرؤية والتنفيذ والنتائج على الارض التي ولّدتها القناة, وهي في الحقيقة استثمار اضافي مهم في سلسلة الاستثمارات الاعلامية التي يمتلكها سعوديون من صحف ومجلات وصحافة إلكترونية وقنوات مرئي ومسموع.

كلام الاستاذ الراشد (والذي اختارته مجلة تايم مؤخراً كواحد من اهم 100 شخصية عالمية, في نطاق التأثير على الرأي العام فيما يبدو), وخصوصاً في ضوء ما ثار مؤخراً من جدل حول قناة الجزيرة القطرية بعد استضافتها للدكتورة وفاء سلطان في برنامج "الاتجاه المعاكس" يعني, لي على الاقل, انه لولا ظهور قناة "العربية" لكانت قناة "الجزيرة" استفردت بعيون وآذان وعقول المشاهدين العرب من دون اية منافسة.

المنافسة بين قطر والسعودية في مجال القنوات التلفزيونية الاخبارية نقطة محورية ومركزية في محاولة فهم ما يحدث على المستوى الاعلامي العربي, الذي لا يمكن ان يتم بمعزلٍ عن توالد الكثير من القنوات الفضائية الموجهة للعالم العربي, ان كانت وطنية ام قومية ام اجنبية.

فمؤيدو "العربية" يصفون فترة عمر القناة بأنها "أكثر المراحل التي مر بها العالم العربي والاسلامي, من حيث ضجيج الحروب بقنابلها وصواريخها والدماء المهدورة فيها.. حروب من الارهاب وعلى الارهاب. تشويه للإسلام قام به ارهابيون محسوبون على الاسلام. صورة نمطية سيئة انطبعت في عقول الغرب تساهم قنوات اخبارية عربية بترسيخها عن طريق بثها لشرائط زعماء الارهاب في افغانستان والعراق ومناطق اخرى في الشرق الاوسط".

في مثل هذا الكلام اذاً اشارة واضحة الى ان هناك مشروعاً سياسياً اعلامياً لأن تكون "العربية" بديلاً لما تمثله المحطة القطرية من "تهويل ولعب على عواطف الناس".

الاستاذ الراشد في احد حواراته الصحافية قال بأن "العربية" لم تنشأ للرد على "الجزيرة"..واكّد على أنه "لو لم تكن "الجزيرة" موجودة لظهرت محطة اسمها "العربية" او تحت اي اسم آخر موضحاً بأن "البساط كبير جداً ويتسع لعشر محطات اخبارية. ليس المطلوب ان نسحب منهم البساط او يسحبوه منا.. المطلوب ان تتوفر للمشاهد العربي محطات كثيرة ولا تحتكره قناة واحدة. اغلبية مشاهدي محطات الاخبار يشاهدون معظم القنوات ويحددون ماذا يشاهدون بناء على منطقهم او عقلهم او عاطفتهم".

لا مجال للخوض في المقارنات والمقاربات بين "الجزيرة" و"العربية" هنا, لأن ما اردت ان أضعه في السياق هو ما يحدث للإعلام العربي ككلّ, وبالتحديد في مجال الفضائيات. ولكي نصل الى نتيجة, اية نتيجة, يجب علينا ان نفهم لغة الارقام.

هذه اللغة يجب ان تحكى اذا اردنا الوصول الى استنتاجات حقيقية او شبه علمية, فموازنة "العربية" السنوية تناهز المائة مليون دينار أردني سنوياً (حوالي 500 مليون درهم اماراتي او 140 مليون دولار). وبحسب مصادر مطلعة فيها فإن مدخولها السنوي من الاعلانات التجارية يصل الى حوالي 160 مليون دولار, وبذلك فهي لا تربح ولا تخسر..

فهل ما صرف على تأسيسها يبرر وجودها او حصولها على نسبة المشاهدة التي تتمتع بها؟

يقال ان مصاريف تأسيس "العربية" وصلت الى حوالي 500 مليون دولار, الا ان كثيرين منا لا يعرفون الجواب عن هذا السؤال, وانا بينهم, وبناء عليه فلا أستطيع الحكم, خصوصاً وان هناك من يقول إن القطريين قد أنفقوا على قناة "الجزيرة" لحد الآن, ما يفوق البليون دولار, وان كانت الاخيرة لا تدر دخلاً مالياً بقدر "العربية", (ونحن لا نعرف ماذا تدر من دخول بالضبط)، لأن السعوديين لا يستخدمونها كمنصة اعلانية ولا يحبذون ان يقوم اصدقاؤهم بذلك, بينما يصرف هؤلاء المبالغ لدعم قناة "العربية" ومدها بالإعلانات التجارية.

لغة الارقام التي نتحدث بها الآن تفشي حقائق نستطيع ايرادها لغايات المقاربة والمقارنة. فقناة الـBBC العربية التي تنوي بدأ البث هذا الاسبوع (غداً بالتحديد) كلفت ما يقارب الـ30 مليون دولار لحدّ الآن وتأخرت عن موعدها في البث لأن مثل هذا المبلغ قليل نسبياً ولا يساعدهم في ظهور المنتج كما خطط له, وغير معروف عدد المشاهدين التي ستستقطبهم القناة, علماً بأن الطاقم الذي اعد لإطلاق القناة ذاتها في السابق في منتصف التسعينيات الماضية هو من اطلق قناة "الجزيرة" وما يزال يعمل معظمهم فيها.

قناة "الحرة" الاميركية, من الناحية الاخرى كلفت هي وتوأمها راديو "سوا" حوالي 72 مليون دولار في عام 2004 و62 مليون دولار في عام 2005 وبحسب الاستطلاعات غير الرسمية فإن مشاهدي "الحرة" في تناقص مستمر, خصوصاً وان مشاكل بين ادارتها والادارة الاميركية ظهرت للعلن العام الماضي وأثرت على مصداقيتها.

هنالك ايضاً القناة الروسية بالعربية ( روسيا اليوم) والقناة الفرنسية (فرنسا 24), ولا أعرف ما انفقت على كل منهما الحكومتان الصديقتان.. كلّ ما اعرفه ان هناك محطتين اردنيتين انفق على تأسيس احداها عدة ملايين وهي تعمل الآن ولكن من دون مستقبل باهر يلوح في الافق والاخرى حوالي 25 مليون دينار ومستقبلها ما يزال مجهولاً.

الاستثمار في مجال الاعلام المرئي والمسموع في الأردن منذ عام 2003 حتى اليوم يتراوح بين 40 و60 مليون دينار, حسب مصادر رسمية ذكرت أن عدد المحطات الاذاعية والتلفزيونية الحاصلة على تراخيص من هيئة المرئي والمسموع والعاملة لغاية الآن 21 محطة اذاعية, 18 محطة فضائية, ومحطة ارضية واحدة.

اكثر ما يدهشني هو كيف تستطيع مؤسسة اذاعة وتلفزيون المملكة الاردنية الهاشمية البقاء في ظل موازنة لا تزيد في احسن الاحوال على 10 ملايين دينار, وان نفقات اقامة محطة تلفزيون فضائية فلسطينية تعنى بالشأن المحلي فقط وتستطيع جذب الناس بعيداً عن "الجزيرة" وقنوات اخرى ستصل الى 10 ملايين دولار فقط.

استعنت بلغة الارقام لكي اقدم جواباً عن سؤال كناّ طرحناه يتعلق بكلفة انشاء الفضائيات وهل تبرر وجودها او الحصول على نسبة المشاهدة التي تتمتع بها اي فضائية, كقناة "العربية" مثلاً.

ويبدو لي ان الجواب "نعم", وخصوصاً في ضوء ما حدث في "الجزيرة" مؤخراً, والتي اقامت الدنيا ولم تقعدها جراء استضافة وفاء سلطان واثارة قضايا ساخنة وجدلية مثلها في السابق. فبالنسبة للاخوة القطريين, هو مبلغ بليون دولار اذا كان بإمكانه ان يصنع من بلدهم "دولة عظمى", على امواج الاثير على الاقل, ولماذا يحتاجون الى اعلانات تجارية تدر عليهم دخولا مالية اذا كان ثمنها التأثير على ما يريدون قوله وتصويره على قناتهم.

من الناحية الاخرى, فالسعوديون راضون عما انفقوا وسعيدون بوجود "العربية" لأنها البديل الحقيقي عن اطلاق الصوت العالي تبخر تداعيات الجدل بعد ثورانه على قضية مثل تلك التي شهدناها مؤخراً في "الاتجاه المعاكس".

الكلفة في الجهتين اذاً مبررة, وهذا ما يحدد ملامح الاعلام العربي في هذه المرحلة.. اما ما تبقى فهي تفاصيل في مشهد ملتبس يصعب فهمه.

نقلا عن الغد 10/3/2008 بقلم جورج حواتمة

أضف رد جديد

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 3 زوار