دموع نهاية غير محترمه

آراء ومقالات لكتّاب أردنيين

المشرف: Princess

قوانين المنتدى
• يمنع وضع اي مواد محمية بحقوق نشر دون موافقه مسبقه من صاحبها
قوانين المنتديات العامة
أضف رد جديد
سهام البيايضة
عضو فعال
عضو فعال
مشاركات: 132
اشترك في: الأحد ديسمبر 28, 2008 3:38

دموع نهاية غير محترمه

مشاركة بواسطة سهام البيايضة » الاثنين أكتوبر 12, 2009 9:26

دموع نهاية غير محترمه
بقلم :سهام البيايضة

عشرون عاما، بالكمال والتمام مرت على "سمر"، وهي تعمل موظفة في القطاع العام.
على مدار تلك الأعوام استطاعت أن تحتل موقع إداري معقول، في لجة الترقيات,والصراعات والمحسوبية، والتقييمات الغير موضوعية،على اعتبار أنها ليست الوحيدة التي تعاني من النظام العام الذي تفشت فيه قيم "الفهلوة" والشطارة على حساب النظام والموضوعية .وأسس الادارة المتعارف عليها، لإدامة الهيئات العامة التي تقديم الخدمات للمواطنين.
عرفت"سمر " بإخلاصها وجديتها وتفانيها بالعمل .والأكثر من ذلك، أنها كانت تتمتع بلباقة وذوق عالي بالتعامل مع المراجعين,حسنة العشرة مع زملائها ،أنيقة ولطيفة,طيبة وخدومة , دائما معنوياتها عالية ،تشجع على العمل بطريقتها المرحة ومحببة, تثير في النفس معاني الانتماء وواجبات الخدمة العامة،تراعي مشاعر الجميع وتتعامل معهم بكل احترام وتقدير ,محل ثقتهم،ومرجعية عقلانية للتشاور والقرارات.
سنة أو بضع شهور، ستكون مهيأة إداريا وقانونيا، للحصول على ترقية، لمناصب إداري رفيع، وسيكون لها الحق بالتمتع بنتيجة مسيرتها الوظيفية، التي بذلت فيها كل العناء والصبر والاحتمال.

في يوم عادي من أيام العمل الروتيني .وصل إلى مكتب ديوان الدائرة, كتاب تكليف من الجهات العليا للموظف الجديد الحاصل وقبل سنة فقط،، على شهادة علمية من دولة أجنبية .
لم تصدق ما جاء بالكتاب الرسمي الذي تجاوزها وتجاوز خبرتها وتفانيها بالعمل ,وقبل نهاية ساعات العمل الرسمي ,كانت قد قررت الابتعاد عن العمل والاكتفاء بالجلوس بالبيت لترعى أولادها وزوجها ،فلم يعد في طاقتها إثارة مواطن الصراع ،ولا حتى مجادلة نظام وسياسات إداريه تتجاهل خبرات العاملين، الذين اخلصوا في العمل والعطاء ،وتضعها في بؤرة التحقيقات ولجان المتابعة، التي ستذيب قضيتها على المدى الطويل ، وتحولها إلى مصدر إزعاج للآخرين أكثر منها قضية حق.

تناولت سمر نبتة الصبار تحاول أن تنزع غلافها البلاستيكي، وضعتها في قارورتها الصغيرة، ثم غطتها بالقليل من التراب.
سمر تفكر صامته:هذا أفضل حل في هذه الأوقات !! سأكتم خيبتي واكتفي بالابتعاد حتى لا اخسر صورتي المحترمة التي جهدت سنوات من اجل المحافظة عليها!.
نظرت إلى نباتات الزينة التي انتشرت في حديقتها الصغيرة تتفقدها وتنثر عليها قطرات الماء وحبات السماد الأخضر، تتابع نموها وتكاثرها حول الحديقة.
توجهت إلى زاوية الحديقة الأنيقة وفي ذلك الركن الهادئ، جلست ترتشف فنجان قهوتها وتراقب النباتات الخضراء التي أحاطت بها، وقد ظهرت آثار العناية والرعاية على الورود والأوراق.
غرقت سمر في تفكير عميق، وهي تحاول أن تجد لنفسها مخرجا من هذه الوظيفة،نظرت إلى نباتاتها التي تعودت أن تعمل عليها وتزيح بها اختناقات ومتاعب العمل، ترعاها وترويها ، فلكل قارورة حكاية ومعضلة عمل، استطاعت أن تجد لها حل، وهي تضع اشتال النباتات فيها ،حتى ظهرت حديقتها مزدحمة بالنباتات التي كانت، خير وسيلة للتخلص من احباطات العمل وآثاره السلبية عليها وعلى عائلتها.
تناولت سمر ورقة وقلم، من فوق طاولة الحديقة، كتبت استدعاء للإدارة العليا جاء فيه:أرجو التكرم بالموافقة على إحالتي إلى التقاعد لأنني لم اعد ارغب بالعمل,واقبلوا فائق الاحترام.
لم يسألها احد عن سبب استدعائها ,ولم يهتم احد بمعرفة سبب طلب التقاعد,كل هذه السنوات من العطاء والعمل لم تجد من يقدم لها كلمة شكر أو امتنان,أو يردها عن اتخاذ هذا القرار وهي لا تزال في قمة العطاء، كانت تتساءل حائرة :هل كنت ثقيلة عليهم لهذه الدرجة؟..هل كانوا ينتظرون رحيلي عنهم ؟ كل ما قمت به من اجل عملي وما قمت به من اجل زملائي ليس بذي قيمة؟.. لماذا تناسوا جهودي؟ لا احد يقدر ؟..لا بد أنني كنت مخطئة في شيء ما!! لكن ما هو؟؟ بعد هذا العمر وهذه السنين بت لا ادري، هل أنا وحيدة ؟ أم انه نظام عام شملني كما شمل غيري؟
كل هذه المناسبات والاحتفالات التي كانت تقدمها وعلى حسابها الخاص، لم تشفع لها بكلمة طيبه, بابتسامة تقدير..كم هو شعور مؤلم ! وخواء عميق، بنهاية مؤسفة أحبطت فيها كل الأعمال والنيات والرغبة بالعطاء،جعلتها تعيد النظر بكثير من مفاهيم الانتماء واحترام الذات .
أحاسيس ومشاعر حائرة فوق نقاط ألا عودة، ألا تقدم.
قوارير نباتاتها المنتشرة حول حديقتها الصغيرة , لم تعد تحتمل زيادة اشتال جديدة تزيح بها توترات حالتها النفسية التي أفقدتها الشعور بكل ما هو حولها، وقد اعتادت حل مشاكلها لوحدها ،تتجرع الألم ونتائج حلول تعيد النظر بكثير من سلوكياتها تفرض عليها التكيف مع حالات جديدة تساعدها على استمرار الحياة بهدوء بعيدا عن صراعات البقاء والوجود .
"سمر" لا تزال غارقة في التفكير: خطوة أوليه للخروج من هذه الحالة، من هذا النكران.. الانتهاء وبأسرع وقت من مهزلة هذا الزمان.. الوظيفة العامة!!
أسبوع مضى على قرار التقاعد وهي تتنقل بين الدوائر والمكاتب، من اجل توقيع براءة الذمة, كانت بالنسبة لها وثيقة انسلاخ لا وثيقة برأه.
وصلت إلى الدائرة المالية, قريبا من نهاية المطاف, لتحديد قيمة الراتب التقاعدي النهائي.
أمام الدائرة المالية, أوقف الحارس سيارتها, وطلب إليها أن ترجع بسيارتها إلى الخلف..رافضا إدخالها إلى الساحة الأمامية للدائرة،مما اضطرها إلى التراجع والبحث بجانب الأرصفة على مكان ؟,توقف فيه السيارة.
أعصابها بدأت بالتوتر والاضطراب, لكن لا بد من التحمل, فالنهاية أصبحت قريبه ولن تعود إلى هذه الحالة بعد ألان.
كل الوجوه تعرفها وليست غريبة عنها ,زملاء كانت لهم معاملات أو زيارات أشرفت عليها وتأكدت من حصولهم على أفضل الخدمات ،ورغم ذلك لا احد تبرع بسؤالها عن حاجتها أو بتقديم خدمه أو حتى فضول، لمعرفة حاجتها من هذه الزيارة, حاله من التجاهل وعدم الاهتمام تنتاب كل المراجعين لمثل هذه الدوائر إلا من كان له علاقة أو مصلحة متبادلة، أو سلطة فوقيه تملك حق الاختراق والوقوف فوق القانون
الجميع منشغلين عنها ,وكأنها ارتدت طاقية الإخفاء، لم يعد احد يلتفت إليها ,إلا بعض العيون التي جلبت انتباهها, بانوثتها الراقية,مقارنةً مع رمادية المكان وبؤسه العام.
"المدير المالي" ، جملة كتبت على لوحة بلاستيكية ،ثبتت بجانب الباب المؤدي إلى غرفة المدير,من بين الأوراق المتناثرة فوق المكتب ,نظر إليها المحاسب من تحت نظاراته السميكة ,حتى انه لم يطلب منها الجلوس،لم يكن مكترثا بأحد وقد تراكم الغبار ورماد سجائره فوق المساحات الزجاجية الظاهرة من بين الملفات.
نظرت حولها وقد شعرت أنها طفلة تائهة في زقاق معتم فقدت فيه اتجاهات الصواب والألفة، ولتتدارك ارتباك الوقوف توجهت للجلوس على المقعد المتهالك الممزقة أطرافة الذي ظهر حشوه الداخلي .
احضر المحاسب، بتكاسل وضجر ، ملفها المالي ومن خلف المكتب بدأ يحسب قيمة راتبها التقاعدي النهائي:
المحاسب:بعد حساب سنوات الخدمة وإلغاء علاوة المعيشة ,وعلاوة العمل ,وعلاوة المنصب الأخيرة أصبح راتبك التقاعدي مئة وسبعون دينار"
قالت وقد صدمتها هول النتيجة:ماذا ؟ مئة وسبعون دينارا فقط لا غير؟..ماذا افعل بهذا المبلغ هذه الأيام؟..انه اقل من نصف راتبي الأخير !!
المحاسب:هذا هو النظام المالي العام.
قالت جزعة وكأنها من عالم آخر تسوده البلاهة والسذاجة:لماذا لا يتركون للموظف راتبه الأخير؟يغطي نفقاته الحالية ويتكيف به مع مستجدات المستقبل؟
المحاسب:هذا ليس من اختصاصي، يا أختي..مثلك كمثل آلاف المتقاعدين!!
بعد كل هذه السنوات والنتيجة، اقل من نصف الراتب.
سمر في حيرة وتفكير: هل أبيع سيارتي ؟هل أبيع منزلي؟.ماذا لو أنني غير متزوجة؟ ماذا لو أنني وحيدة في هذا العالم؟
شعور محبط,قاهر,وبلا جدوى نهضت بتثاقل من فوق المقعد المتهالك وأخذت طريقها إلى الباب الرئيس وقبل أن تصل إلى سلم الدائرة أمسكت بأطراف الحديد الممتد بجانب السلم .
- الراتب كاملا لم يكن يكفي الحاجيات الأساسية مع راتب زوجي وألان ماذا سنفعل؟
..توجهت بسرعة إلى سيارتها المتهالكة كمسيرة سنوات خدمتها، وعلامة بؤسها الجديد،كأنها تريد أن تهرب من نتيجة غير متوقعة ،لقرار اتخذ في عمق التاريخ لا رجعة فيه.
, ضغطت على مفتاح السيارة فتحت الباب, جلست خلف المقود, وبأعلى صوتها أجهشت بالبكاء بين شهقات الصدر كانت تستعرض شريط حياتها وصبرها، تلوم نفسها على قرارات حياتها وسنين الدراسة وعدد الأولاد ومستقبل غير آمن.
شهقات عصفت بسنين العمر,بأوقات العمل ،بجهد توزع بين البيت والعمل والأولاد ،وطموحات بدأت كبيرة تضاءلت وانتهت صغيرة حتى الكفاف!
لا تعلم كم مضى من الوقت وهي غارقة بدموعها..دموع نهايتها الغير محترمه !!
رفعت رأسها لتنظر إلى عينيها اللتين انتفختا واحمرتا من البكاء..أصلحت من شانها بعض الشيء..وضعت نظارتها، أدارت محرك سياراتها ..ثم انطلقت لتلحق بزوجها وأولادها ونظام بيتها..هناك من ينتظرها... وإذا تأخرت.. لا بد... سيفتقدونها !!

صورة العضو الشخصية
صالح مفلح الطراونه
صديق المنتدى
صديق المنتدى
مشاركات: 866
اشترك في: الأربعاء يوليو 09, 2008 2:52
اتصال:

Re: دموع نهاية غير محترمه

مشاركة بواسطة صالح مفلح الطراونه » الثلاثاء أكتوبر 13, 2009 8:54

تحيه الى المربيه الفاضله والأم المثقفه سهام ...
اذا كانت سمر بعد رحلة هذه الأعوام بخدمة الناس قد إتكئت على مقودها تنتحب الدمع وفي خاطرها اكثر من سؤال لما هكذا حال الدنيا والناس بعدها تفرغت الى حياتها الجديده فإنني أوكد من موقعي الذي أنا فيها بين ضفاف القلم وشجون السفر عبر رحلة الأثير لشارع الصحراوي الذي يلهمني الصبر على كل قساوة السفر إن حياتها التي فيها من ينتظرها لهي الأجمل والأحلى والأغلى ..
فيا سمر بعد خط اختنا سهام لهذه الحاله لا تدعي اليأس يدخل الى كل الذكريات والحاله الجميله التي كنتٍ فيها قبل تقديم الأستقاله والأستيداع ليوميات الحياه ..
فهناك على الارض ما يستحق الحياه والحياه الأجمل ..
شكراً اختي سهام على المزيد من القراءه لواقع الحاله الأجتماعيه بكل تفاصيلها الدقيقه من لدن قلمك المبدع الرائع ...
شكراً

سهام البيايضة
عضو فعال
عضو فعال
مشاركات: 132
اشترك في: الأحد ديسمبر 28, 2008 3:38

Re: دموع نهاية غير محترمه

مشاركة بواسطة سهام البيايضة » الثلاثاء أكتوبر 13, 2009 12:46

الاخ الفاضل صلاح الطراونة..
شكرا على هذا التعليق المنبثق من صميم المعاناة التي نواجه اخي الفاضل
سمر انسانه عاديه .ليست من الطبقة المعدمة..درست وتوظفت وعاشت حياتها ضمن المعايير الوسطية التي نحاول هذه الايام الوصول لها ..الكل يجتهد ويحاول ويعمل ويتفائل ويجاهد ويقدم .. والنتيجه (كانك يا بو زيد ما غزيت),,ماذا لو لم تملك تلك العائلة التي تنتظرها؟؟ماذا وماذا وماذا....ماذات كثيره .تعبر حيرة السؤال...والنتيجة عمر مضى وقرارات لا رجعة لا عوده..
السؤال العقده اخي صالح:لماذا لا يترك للموظف اخر راتب تلقاه,يلبي استحقاقات الحاضر ويتكيف مع متغيرات المستقبل؟؟
لا ان يسقط فوق بؤرة الفقر والحاجة,مباشره بعد التقاعد!!!
دمت اخي الفاضل بصحة وعافيه ..وياااهلااا..سهام
ملاحظة:الا ترى اخي الفاضل ان هناك كثيرين لم يتذوقوا في حياتهم طعم الحوار الادبي والانساني الراقي؟؟؟؟..كم اشفق عليهم والله!!

صورة العضو الشخصية
بنت الأردن
صديق المنتدى
صديق المنتدى
مشاركات: 2320
اشترك في: الخميس أكتوبر 02, 2008 4:54
مكان: عمان

Re: دموع نهاية غير محترمه

مشاركة بواسطة بنت الأردن » الثلاثاء أكتوبر 13, 2009 5:53

فلتتذكر سمر أن المؤمن كالورقة الخضراء لا يسقط مهما هبت العواصف..
و أن الأمل يخلق دواعي الكفاح...

سهام البيايضة
عضو فعال
عضو فعال
مشاركات: 132
اشترك في: الأحد ديسمبر 28, 2008 3:38

Re: دموع نهاية غير محترمه

مشاركة بواسطة سهام البيايضة » الأربعاء أكتوبر 14, 2009 10:12

عزيزتي بنت الاردن...شكرا اختي الفاضلة..دائما سباقة الى الخير والكلمة الطيبة..فيك الكثير من الامل والجمال والتفاؤل..وهذا يحتاج منه الكثير من ابناء بلادي ...شكرا جزيلا...وياااااهلااااا...سهام

أضف رد جديد

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 4 زوار